Happy Chinese New Year

مقدمة بقلم الكاتب والناقد إبراهيم حمزة: حول المرأة المبدعة ، والكتابة " الأممية "


حول المرأة المبدعة ، والكتابة " الأممية "

متى نخرج من هذا "النفق"؟!

مقدمة بقلم الكاتب والناقد إبراهيم حمزة:

يبدو أن شعورا حاكما لدى الدكتورة مرفت محرم بأننا توقفنا فى منتصف المسافة فى كل شىء، ولم نستطع العبور مطلقا، عبرت عن ذلك بعنوانين متتاليين فى مجموعتيها " مفترق طرق " ثم " النفق " وهو ما يعنى وجود مشروع فكرى متصل لدى الكاتبة، يرتبط هذا المشروع باتجاهها العقيدى، والتزامها، وهو ما يجعل النظر فى إبداعها مقيدا برؤيتها الاجتماعية والدينية، وهو ما يؤثر بالسلب على بنائية القصة ذاتها فى بعض الأحيان، مثلما نرى فى قصة " قابيل وهابيل " وهى قصة شاعرية رقيقة رغم حديثها عن الموت والقتل والطمع، لكن الموقف ذاته يشى بإنسانية واضحة، حين يطلب أحدهم من الراوى أن يوقف السيارة ليجد ملاذا آمنا من أخيه الذى يوشك أن يقتله ، (أتوسل إليك خذنى بعيداً عن أخى الذى يتبعنى؛ هو مصمم على قتلى؛ روحى أمانة فى عنقك!) .

بينما تنعتق الكاتبة من تقليدية الرؤية فى قصة من أهم قصص المجموعة، قصة " ولادة متعسرة " وما يميز القصة هنا اتساع الرؤية، حيث نجد مثلا التحكم الكامل للتكنولوجيا فى حياتنا، ونجد تراكم هموم السنين التى تجعل الجنين يرفض الخروج، ونجد تداخل الممكن بالمستحيل، سعيا نحو أسطورة تتشكل بتقنية مختلفة، وببساطة أكبر، حيث تتخذ المجموعة فكرة " المفارقة " متكأ بنائيا لقصص متعددة فى المجموعة، وربما أهمها " دعوة للعشاء " حيث نقارن بيسر ودهشة بين العشاء الفخم الرهيب بأحد الفنادق الكبرى، والوليمة التى تأسست حول كوم " زبالة " تشارك الإنسان والحيوان فيه، القصة هنا تقول الكثير بدون ثرثرة ولا توضيح، وهنا مدخل نحو قصة مميزة، نفس المفارقة تحكم قصة " حدوتة من قرية " حيث الماء الملوث الذى ينكره الإعلامى بينما يتخوف من استخدام ماء القرية فى الشرب، هناك مشكلة فى استخدام المفارقة فى البنية القصصية، إنها الاعتيادية، فلو توقع القارىء بنية القصة ونتيجة المفارقة المستخدمة، فقد سقطت القصة، ولذا تحتاج المفارقة على نعومة وصدق فى التناول، ومن هذا الاستخدام الطريف للمفارقة نجد قصة " زيارة " والتى أدعو الكاتبة لاتخاذها نموذجا للقصة الطريفة التى تتفهمها جيدا، وتنسج منها نسيجا وحده، فالمرأة حين تتدلل على زوجها، تطلب طلبات لا تعقل، وبطلتنا هنا تقول لزوجها شاكر – لاحظ دوما المفارقات فى استخدام الاسم، فشاكر حزين ومعترض وناقم، وسعيد جنين كئيب لا يود الخروج .. إلخ . ولذا تقول الزوجة لزوجها :

ـ أريد زيارة القمر يا شاكر.
وكأنها تدعونا للخروج فى نزهة للقناطر!

وهنا تتخذ الكاتبة ثقافتها العلمية لنسج القصة، فالزوج يتصل بشركة Excalibur Almaz البريطانية؛ المتخصصة فى حجز التذاكر لتلك الرحلات الفضائية... وهو ما يجعلنا نتوقف مع القصة، وجوانب التجديد فيها، من خلال تكثيف الحس الساخر اللطيف النسوى، ورد الفعل الزوجى برقته وحيائه وطيبة قلبه، ثم التكثيف للمفارقة بحيث تحيل إلى الفرق بيننا وبين الغرب .

القصة إذن -  ككل الفنون – ابنة بيئتها، وهذه البيئة تتغير ببطء، لكن بسرمدية، وهذا التغير دوما ينقل المجتمع بشكل مرتبط بمؤثر خارق خارج المجتمع، فبيئتنا العربية قليلا ما تبادر أو تبادىء أو تخطط للمستقبل، ولذا سنجد الجبرتى يورد بيانا من علماء الأزهر صدر فى أكتوبر 1798 بتحريض من نابليون، وجاء فيه " نصيحة من كافة علماء الإسلام بمصر المحروسة، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلى الله تعالى من الساعين فى الأرض بالفساد، نعرف أهل المحروسة أن طرف الجعيدية وأشرار الناس حركو الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا أصحابا وأحبابا بالسوية " .

ولهذا نجد الكاتبة تستخدم فى بعض الأحيان هذه الطريقة " الجبرتية" الجميلة، التى يستخدمها كتاب المقامات، لكن الكيفية التى تستخدمها بها، لا تتحملها قصة قصيرة بهذا الحجم، وهو ما يعنى ضرورة تطور رؤى الدكتورة مرفت محرم، حيث أنه بالنظر على المجموعة السابقة، سنجد مجموعتنا هذه تطورا لما أسست له فى مجموعتها الأولى، وهو ما يعنى اتساع الرؤية لدى الكاتبة، واتساع الحس التجريبى لديها، بشرط قطع سبلها القديمة مع التقليدية، فالكاتبة تجمع بين صدق الشعور، وبين تقليدية التعبير، تمتلك ما ينقص الكثيرين، وتفتقد ما ينتشر لدى الجميع، فلتعقد الكاتبة مصالحة بين صدق مشاعرها وأمومة الكتابة لديها، وبين طرق التعبير الأكثر تأثيرا، وهى مصالحة يستفيد منها القارىء بلاشك ، فالصلح – دائما – خير .

إبراهيم حمزة .